الجمعة، 11 مارس 2016

قصة مهاجرة مغربية قادها "الانتظار" بمستشفيات كندا للموت



عبد الرحمان عدراوي من كند
ماتت ع.خديجة عن سن يناهز 44 سنة بمدينة مونتريال الكندية، بعد صراع طويل مع مرض سرطان الثدي، الذي أصابها سنة 2007، وعجز الطب عن إيقاف زحفه داخل جسدها، لتفارق الحياة بداية سنة 2013، مخلفة وراءها ولدين عمرهما 10 و12 سنة.
كان كل شيء يسير على ما يرام بين سنتي 2007 و2011، إذ تم إخضاع خديجة إلى مجموعة من العلاجات الكيميائية، وتمت متابعتها من طرف مختصين في أمراض السرطان، تحت إشراف طبيب خاص بها، شاءت الأقدار أن يتغيب عن العمل مدة 3 أشهر، بعد أن أوصاها بعدم التأخر عن مواعيدها الاستشفائية.
خلال فترة غياب الطبيب المتابع لحالة خديجة، اشتدت آلامها فهرعت إلى المستشفى، طالبة إجراء حصة تطبيب كيميائية، لإيقاف زحف السرطان في جسدها، فتم إخبارها بأن عليها انتظار عودة طبيبها من إجازته المرضية، لأنه هو المتابع لحالتها الصحية، والوحيد القادر على تقرير إجراء هذا النوع من الإجراءات الطبية.
عادت خديجة أدراجها إلى البيت، وانتظرت عودة الطبيب إلى العمل، فيما بدأت حالتها الصحية تتدهور بشكل ملحوظ، دون أن تستطيع فعل شيء آخر غير الانتظار؛ وما إن كشف عليها طبيبها الخاص، حتى صرخ في وجهها غاضبا: "ألم أطلب منك الالتحاق بالمستشفى مباشرة إذا تدهورت حالتك؟ الآن دخلت حالتك مرحلة الخطر، ولن يكون بمقدوري فعل شيء لإصلاح الوضع...وأنت السبب في ما وصلتي إليه اليوم من تدهور لحالتك الصحية".
حاولت خديجة عبثا شرح ما حصل أثناء غياب الطبيب عن العمل، لكنه لم يول أهمية لكلامها، مشددا على كونها تهاونت في القيام بالتصرف الصحيح، في الوقت المناسب، وهو ما زاد من تعميق جراحها وآلامها النفسية، لكونها أصبحت متهمة بالتقصير في حق نفسها، بعد أن أوصدت أبواب التطبيب في وجهها، إلى غاية عودة طبيبها الخاص.
دخلت خديجة مرحلة اللاعودة، وأصبحت عمليات التطبيب الكيماوي لا تجدي نفعا في جسدها، إذ تمكن السرطان منها بشكل لم يعد ينفع معه دواء، وأصبحت طريحة الفراش لا تقوى على الحركة إلا بمساعدة أهلها؛ ونقلها إلى المستشفى أصبح يتطلب سيارة إسعاف متخصصة، بعد أن كانت تنتقل إليه على متن سيارتها، تقودها بنفسها، وتتحرك بكل استقلالية عن مساعدة الآخرين.
حلت ساعة الحقيقة، فبعد أسابيع في المستشفى، وضعت خديجة في جناح خاص بالحالات القريبة من الموت، ليتقرر بعد ذلك نقلها إلى منزلها، في انتظار أن يفي أجلها المحتوم، وحتى يتسنى لها الموت وسط أهلها وأصدقائها.
في آخر صباح من حياة خديجة، حضر مصطفى الشمالي، وهو صديق مقرب من عائلتها، كان يحضر إلى بيتها بشكل شبه يومي رفقة زوجته حسنية، وصديقة أخرى تدعى رشيدة، وزوجها عبدالكريم، إضافة إلى والدتها التي جاءت من المغرب، وقضت معها أشهرا عدة، تساندها في محنتها.. وطلبت خديجة حجرا لتتيمم، ثم صلت الظهر، وأخبرت الجميع بأنها ترى فتاة صغيرة وجميلة تتحرك على الحائط.
"البنت الصغيرة بدأت تكبر، إنني أراها تتحرك على الحائط وتنظر إلي"؛ قالت خديجة، فجلس مصطفى عند رأسها، فتح القرآن وبدأ يتلو آيات منه، إلى أن أسلمت الروح إلى بارئها.
مواعيد إجراء الفحوصات في مستشفيات محافظة كيبيك قد تصل إلى سنة من الانتظار، في الوقت الذي لا يتوقف المرض منتظرا تلك المواعيد؛ أما من حل بمستعجلات المحافظة، فما عليه إلا التسلح بالصبر، لأنه قد يرى الطبيب بعد يوم من الانتظار، جالسا على كرسي في قاعة "انتظار"، بما تحمله الكلمة من معنى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق